إن أكثر مايكدر صفو حياتنا هي تلك المواقف السيئة التي تحدث لنا في علاقة ما، إن الأنسان بفطرته كائن إجتماعي و يبحث دائما عن شعور القبول من الخارج لذلك نشأت المجموعات والقبائل والأحزاب، بحث الأنسان عن أنسان آخر يشبهه في بعض الميزات أمر فطري لايمكن إنكاره، نشهد في الآونة الأخيرة الكثير من التوصيات في مجال تطوير الذات بترك وهجر العلاقات المؤذية ومثل هذه التوصية تكون ذات أثر على الطرفين، فاأنهيار علاقة دامت لزمن ما ليس بالأمر السهل وأنا هنا لست مع أو ضد وأنما أخبركِ عن أن لكل فعل ردة فعل ونتيجة متوقعة وغير متوقعة وليس من المنطقي أن يسقط أحدهم في الماء ويخرج دون أن يتبلل، أي علاقة مع البشر لابد وأن تمر في لحظات من عدم التوافق فنحن مختلفين رغم تشابهنا ومتشابهين رغم إختلافنا.

في تدوينة اليوم أتحدث عن التسامح وماأعنيه بالتسامح قدرتك على تجاوز ذلك الآلم في قلبك وشعورك بقوة دون ترك أثر في أحدهما، وطبعا التسامح لايعني سقوط حقك أو عدم المطالبة فيه إنما هو عمل داخلي هدفه تطهيرك من الداخل فالمشاعر الناتجة عن آلم الموقف مشاعر سامة تهلك روحك وتُمرض جسدك، إذا فالتسامح وقاية من آثر تلك المشاعر، طبعاً هذا لايعني أن تندمي على شعورك السيء بالكره أو الحقد والغضب وحتى الرغبة في الإنتقام هذه المشاعر من الطبيعي أن تشعري بها أثناء وبعد الموقف، بشرط أن لاتؤثر في ردة فعلك لترتكبي محظوراً يؤدي بفرصك في عيش حياة طيبة، تابعي معي القراءة دون حكم فاأنا أعرف شعور الشخص الغاضب والمتآلم عندما يكلمه أحدهم عن ضرورة العفو والتسامح، العفو والتسامح لايعني أن تجلسي مع الشخص الذي آذاك وتعيدي العلاقة كما أن شيئاً لم يحدث ولا تعني التنازل وضياع الحقوق لذلك ساأشرح لكِ كيفية التسامح الذي يجعلك تنعمين بحياة طيبة بإذن الله.
أثناء وبعد الموقف:
مهما كان حجم هذا الموقف ومهما كانت تسميتكِ له إلا وأن له آثر في داخلك وداخل الطرف الآخر وطبعاً دائماً مايكون تركيزنا على مايخصنا أكبر ونتجاهل أن الطرف الآخر يشعر ويتآلم وإن أبدى غير ذلك، نعم الطرف الآخر يتآثر كما تتآثرين وبنفس المقدار فإن كان هو الطرف الظالم أو المعتدي فغياب بصيرته يشكل آلماً في داخله شعوره بالغضب والأنتقام والقوة المزيفة ماهي إلا طاقة ستعود له باسواء الأشكال والجزاء من جنس العمل وهنا أحب أن الفت نظرك لأمر مهم الا وهو أن الموقف الذي أفتعله معك سبق وأن كان هو ضحيته فمن يستعرض قوته وجبروته كان ضعيفاً في يوم ما وتعرض لنفس القسوة والآلم التي يعبر عنها بموقفه معك، هذا ليس تبريرا للخطاء وليس تعميماً لكل الناس فهناك من يتعرض لقسوة عندما كان ضعيفاً وبمجرد أن يقوى يختار أن يكون رحيماً ودوداً فالحياة إختيار، أيضاً ردات فعلنا مع الآخرين يجب أن تكون أحتراماً وحبا ورحمة وأن نتسابق في حسن الأخلاق.
ما أرغب قوله هو أن كل ساقي سيسقى بما سقى وأن كل شخص سيحصل على جزاءه وأن كل سيئة تصيبنا هي من نتاج فعل أيدينا، من أخطئ بحقك سينال جزاءه بشكل عادل وفي أقوى منطقة يضعف فيها وأنتِ ستنالين جزاءك من ظلمك لنفسك وإستمرارك في ثورة الغضب والقهر ولبس ثوب الضحية ستنالينه بشعور التعاسة والآلم المستمر من إسترجاع الماضي سيظهر في شكل أمراض داخلية وخارجية، لذلك كان الغفران والتسامح بوابة التشافي الأولى.

ماذا تفعلين بعد حدوث الموقف؟
أولاً عليكِ إقناع نفسك بأن الموقف إنتهى تماماً وماتشعرين به الآن هو آثر الموقف أو المشكلة، نعم أنتهى وهو ماضي الآن وهذه المشاعر التي تعتريك هي من آثار هذه المشكلة.
ثانياً: أقبلي ماتشعرين به ولا تقاومينه أبداً، عبري عن شعورك بصدق أمام نفسك، أنا الآن أشعر بالحزن، الخيبة، الخذلان، الضعف أو القهر …الخ.
ثالثاً: هل أنتِ بحاجة لفضفضة وبوح أختاري الطريقة التي تضمنين فيها عدم أذيتك طريقة لاتعود عليكِ بنتائج سيئة مثلاً الفضفضة لشخص ثقة أو الكتابة أو الذهاب لمختص، توقفي عن الحديث الدائم عن المشكلة أمام أي شخص فمعظم الناس يعشقون إشعال الحرائق.
رابعاً : خذي الوقت الكافي للهدوء والإسترخاء وإياكِ وأن تجبري نفسك على النسيان او التناسي فهذا سيجعل المشاعر تعود في المستقبل بشكل أقوى.
خامساً: توقفي عن لوم نفسك والإستماع لذلك الصوت المزعج والذي يخبرك كم أنتِ فاشلة وضعيفة ولو عملتي كذا وعملتي كذا.
سادساً: إذا كان الموقف كبيراً فبادري بأخذ حقكِ بطرق نظامية تضمن إعادته لكِ وإياكِ أن تتنازلي وأنتِ غير مقتنعة بذلك.
سابعاً: تذكري أنكِ فعلتي ماتستطيعين فعله حسب قدرتك ومعرفتك فلا تسمحي للشيطان وأعوانه بلومك والتقليل من قدرك أمام نفسك.
ثامناً: أتركي مشاعرك تبرد تماما ونفسك تهدا وأستعيني بالله على ذلك وأكثري من الإ عتصام بحبل الله والتوكل عليه، أكثري من الإستغفار.
تاسعاً: تحملي مسؤولية قراراتك ونتائج أفعالك.
عاشراً: سامحي نفسك أولا ومن ثم الآخرين لآجلك وليس بالضرورة أن يعرفوا أنكِ قد سامحتيهم.
تذكري أن العفو عند المقدرة وقدرتك على العفو تعود لقناعاتك ورغبتك الصادقة في عيش حياة طيبة، وتذكري أن ماأصابك فرصة لتغيير شيء ما يزيدك قوة وتجاوز لمصاعب الحياة.
قوة التسامح في تطهير النفس:
التوتر والقلق والحزن ومجموعة كبيرة من الأمراض النفسية، الروحانية والجسدية سببها عدم التسامح حتى وأن نسيتي الموقف فإن الجسم يخزن تلك المشاعر فتظهر على شكل أفكار ومعتقدات ترجع بأمراض داخلية أو ظاهرية.
دور التسامح هنا تحرير هذه المشاعر وأخذ العظة والعبرة منها فلا تتكرر مرة أخرى، وعليكِ الحذر هنا من تشكل القناعات والأفكار بعد الحدث، فكثير من الناس يغرق بفكرة تعميم ماحدث له فمن تتعرض للخيانة تعمم أن كل الرجال خونة وتعتنق هذه الفكرة لسنوات فتقل فرصة حصولها على رجل صالح أو تظل في مرحلة الشك أن حصلت على رجل صالح لذلك التسامح يعني فلترة الأفكار التي لاتخدمك وأستعادة الثقة بالنفس وأن الحياة واسعة والقادم أجمل.
سأذكر لكِ قصة شخصية مررت بها قبل عشر سنوات.
كنت أعمل حينها وحصلت مشكلة بيني وبين أحد الزملاء ووقتها أشتعلت في قلبي مشاعر الحقد والبغض وكان خطئي حينها أني تكلمت كثيرا ًفيما حدث من باب الفضفضة الخادعة وطبعاً حديثي كان ينقلب علي حسرات فكانت المشاكل تزداد والظلم يشتد وسوء الظن يعمل بكفاءة، حتى أصبت بإلتهاب شديد في الحنجرة فقدت على آثره صوتي تماما، هل لكِ أن تتخيلي أنني لمدة أسبوع لا أستطيع الحديث مع أبنائي كانوا صغارا وقتها لايستوعبون عدم قدرتي على الحديث وحتى هاتفي لم استطع الرد عليه وأخذت إجازة من عملي ومن فضل الله علي أني كنت أحاسب نفسي بماذا فعلت حتى أجازى بهذا المرض فتذكرت تلك المشاعر الكريهة وذاك التفكير المسموم حول الأنتقام من ذاك الشخص وحيلة الضعيف كثر الكلام لذلك جُزيت بفقدان القدرة على الكلام، حين أدركت مافعلت بكيت بالم شديد وظللت أستغفر وأدعو له ولي والمعجزة أني فور أستيقاظي عاد صوتي لي وعندما عدت للعمل أعتذرت من ذلك الشخص، نعم هو أخطى بحقي في البداية ولكن ردات فعلي كانت ايضاً خطائي الكبير والحمدلله على أي موقف ننجو منه ونتعلم.
نحن على أبواب شهر رمضان الذي أسال الله أن يبلغنا صيامه وقيامه على الوجه الذي يرضيه لذلك أدعوك ياصديقتي لتطبيق مبدأ العفو والصفح وتجاوز الماضي ولا تنسي أن من مداخل الشيطان إثارة النفوس وملئها بالحقد والكره فهو من جعل الأخ يقتل أخاه من غيرة وبغض، الحياة قصيرة والأيام تمر سريعاً ورضا الله هو الغاية فلا تجعلي المواقف المؤلمة تحرمك الحياة وأنتِ على قيد الحياة.
كوني بخير