ما أن نقع في حالة من الحزن وتعتلي وجوهنا نظرة الألم والمعاناة إلا ونتلقى سيل من النصائح الطيبة ممن حولنا بضرورة التفاؤل والنظرة الإيجابية للحياة فنظن دون وعي من أنفسنا أننا أخطاءنا في حقها وحق من حولنا فلابد أن نظهر كاأقوياء، لابد أن نكون إيجابيين، نستمر ونحن نشعر بشد وجذب في دواخلنا فلا نحن الذين فرغنا آلامنا وحررناها ولا نحن الذين تمتعنا بإيجابية أدعيناها.
إن الشخص الحزين ليس بحاجة لأن تذكره بضرورة الصبر فهو يعرف ذلك جيداً وليس بحاجة أن تسرد له قصصك ومعاناتك في لحظة بوحه، إن من يختارك ليبوح لك بحزنه ينتظر منك أن تستمع له فقط وبعد أن ينتهي تسأله بكل لطف كيف أستطيع مساعدتك؟ فقط.

الناس تحسن إسداء النصائح ولا تحسن تطبيقها:
من طبيعتنا كبشر أن نتعاطف مع بعضنا البعض وايضاً من طبيعتنا الفطرية أن نشعر بلاوعي منا بأننا الأفضل حين يتم البوح لنا فنلبس طاقية الناصح ونبدأ بسرد تلك النصائح التي نحفظها عن ظهر قلب وكانها قوالب جاهزة للطباعة، نكرر التذكير بضرورة الصبر وضرورة حساب النعم والكثير من الكلام الجميل والطيب ظناً منّا أننا (نطبطب) على الحزين الذي باح لنا بأوجاعه بينما في الحقيقة هذا الحزين يدرك ويعرف كل هذه النصائح بل أنه يحفظها عن ظهر قلب وقد يكون ممن يرددونها على حزين آخر.
الناس من حولنا ونحن منهم نحسن إسداء النصائح ونعرف الصواب ولكن عند التطبيق تتلاشى كل هذه المعرفة والسبب هو أننا في وقت الحزن لانحتاج لنصيحة نحن نحتاج لفهم الشعور و التعبير عنه لا أكثر نحتاج لتفريغ طاقة الصدمة في أول الحدث والتي تظهر على شكل حزنن، لايلزمنا سوى الحديث عنه فقط وطلب المساعدة أحيانا، طبعاً ليس بالضرورة أن يكون الحزن فقط بسبب الصدمة فشعور الحزن شعور عميق أسبابه كثيرة وألمه واحد.
في حال عرفنا كيف نتعامل مع حزننا سنساعد أجسادنا كثيرا في الوقاية من الأمراض ونرفع مناعتنا النفسية والجسدية من حيث لا نحتسب.
في حال عرفنا كيف نتعامل مع من يقصدنا حال حزنه فنستمع وننصت إليه فقد قدمنا خيراً كثيراً له وسيأتينا الجزاء من رب العباد من حيث لا نحتسب.
إن الحزن شعور مرير يتم تحريره بتقبله أولاً وعدم مقاومته ومن ثم التعبير عنه بالطريقة المناسبة لكِ فإن كنتِ من الأشخاص الذين يحبون الحديث مع الآخرين عما بهم فتذكري أن كل الناس تسدي النصائح بغزارة فلا تستمعي لنصائح اللوم فتشعري بالخزي من بوحك والضعف من كونك لستِ إيجابية في هذه اللحظة وتذكري أنه من حقك التعبير عن حزنك و ما دُمتِ قد فتحتي قلبك لشخص لايحسن الإحتواء فلا تكملي على نفسك و تلوميها فتسؤ مشاعرك أكثر بل ركزي على أنك عبرتي فقط عما بك.
الإيجابية المزيفة:
يقول جون بول ديفيز، المعالج النفسي والمستشار ومؤلف كتاب للتنمية الشخصية: «الإيجابية السامة والمزيفة هي التوجه مباشرة إلى تلك المشاعر التي نريد بطبيعة الحال المزيد منها، مثل الفرح والسعادة، والرغبة في تجاوز المشاعر التي يصعب العيش معها».
ومن التعريف السابق نلاحظ أن التوجه المباشر لمشاعر إيجابية يعني كبت وتجاهل المشاعر الحقيقية الحالية والتي تُصنف على أنها سلبية في معظم الأحوال، طبعاً لا أحد يرغب في عيش مشاعر الحزن والألم ولكن الكون مخلوق بالتوازن ومن كل شيء زوجين أثنين فالسلبية المشاعرية ترافقها الايجابية المشاعرية وأن لم تختبر المشاعر السلبية لن تشعر بالمشاعر الإيجابية ولن تعرف قيمتها.
لا أحد يحب التعساء و لا أحد يحب كثيري الشكوى وهذا قد يكون سبب إنتشار مفهوم (خليك إيجابي) بطريقة متطرفة للحد الذي يجعل من يتبنى هذا المفهوم شخص غير حقيقي يُظهر خلاف ما يخفي فلا أحد في هذه الحياة لايمر بمشاعر متدنية خلال يومه و لايمكن لشخص طبيعي الحفاظ على مشاعر إيجابية طوال الوقت.
إن كانت هذه فطرتنا فلماذا أمرنا النبي بالتفاؤل؟
لقد أُمرنا بالتفاؤل لأن مداخل الشيطان تكون من النعم التي بين يدينا ولأن الله خلق مع كل عسر يسر ولأن وقتنا في الحياة قصير جداً وغاية خلقنا الأ نفرط بالحزن بل أن نختبر كل المشاعر ونعطيها حقها من القبول والرضا والمتدبر للقرآن الكريم يرى عظيم التوصيات في هذا الشأن كقوله تعالى(( لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)).
إن مشاعر الحزن والآسى تكون دائماً على شيء حدث ومضى ودائماً ماتكون مشاعر الفرح على شيء حاضر و آت ودائما ماتكون مشاعر الأنسان مابين هبوط وصعود لذلك يدعونا الدين للتوازن في ذلك الجانب وأن نعطي كل شعور حقه دون شكوى أو تذمر أو حتى إفراط بالكبت والكتمان.
أن تنكري فطرتك البشرية وتقنطي من لحظات الحزن والآلم و تفرطي في تمثيل إيجابية غير حقيقية هذا أكبر الضرر الذي تجنينه على نفسك وهذه هي الإيجابية المزيفة.
الرضا يكون بالأيمان والتسليم أن أمر المؤمن كله خير و أن أتقبل كوني حزينة أو متآلمة و لاشيء يدعوك للكتمان فإن رغبتي الحديث عما يؤلمك فتحدثي لمنصت وليس ناصح أو أكتبي وعبري عما بك دون سخط أو قنوط.
إن ردة فعلك الأولى على أي حدث أمر طبيعي يمر فيه كل الناس حتى أكثرهم إيجابية فلا أحد يعلم الغيب وماذا سيحدث له؟ وكيف ستكون ردة فعله؟ لذلك دائماً ماتكون ردة فعلك الأولى أمر طبيعي وفطري فلا تلومي نفسك على ردة الفعل تلك مهما كانت سيئة أو محرجة.
ماذا تتوقعين من ردة فعل لسيدة خُطف إبنها؟ أو رجل خسر كل أمواله؟ أو فتاة صغيرة سُرقت لعبتها المفضلة؟
كذلك من صور الإيجابية المزيفة أن يغلق الإنسان عينيه عما يحدث حوله وينكر وجوده أو يهرب من مواجهة مايتوجب عليه مواجهته.
الصور كثيرة للإيجابية المزيفة والسامة ولعل هذا الفخ يقع فيه بعض المتحدثين في الوعي بإيهام الناس بأن الحياة وردية تماماً وأن مسؤوليتك تكمن في إختيار هذا اللون للحياة و(تطنيش) باقي الألوان.
يمكنك تحسين حياتك وإختيار معاركك وعيش السلام والهدوء ولكن دون تجاهل للجانب الآخر من الحياة فهو موجود وسيظل موجود لنهاية الدنيا.
أنا مع عدم إجترار الماضي والتآنيب والأسى على مافات ومع تحسين الحياة والسعي في ذلك فالحياة قصيرة وعلينا التركيز فيها على مايقربنا من الله ومن الحياة الطيبة ولكن دون إغماض أعيننا عن السوء الموجود من حولنا والسكوت عن الحق والضُعف في تقبل أحداث الحياة الغير متوقعة.
أن تكوني إيجابية يعني أن تتمتعي بمرونة نفسية لقبول ما يسؤك وتسعي دوماً لتحسين حياتك للأفضل ومن ثم حياة غيرك ماأستطعتِ إليه سبيلاً.
أتمنى أن يكون هذا المقال مساعداً لكِ في أن تعيشي حياتك بتوازن دونما إفراط في الحزن ولبس ثوب الضحية أو الإيجابية فتنكري مشاعرك الفطرية والتي تتقلب في داخلك كتقلب الليل والنهار.
كوني بخير:)