تجاربي, تطوير الذات

هل التشافي الذاتي رحلة أم مرحلة؟

لم أكن لإعتقد يوماً أن كل تلك المرارة التي شعرت بها ستتلاشى في يومٍ ما وأن تلك الشخصية التي كنت أظنها أنا، ستتغير وتصبح قابلة للتعديل حتى تصل للشخصية التي أحلم أن أكون بها، كل مرة أتذكر ذلك الماضي أتساءل كيف كنت أعتقد أن شخصيتي قوية وأني أستطيع إنتزاع حقوقي وأنا في نهاية اليوم أشعر بالإنزعاج والقلق وقد أستنفذت طاقتي على الصراع والجدال ومامعهما من صراخ و هجر وأنتقاد، كيف أستطعت تجاوز كل ذلك للوصول لحالة من الهدوء وترك الجدال ورغبة في عيش حالة من السلام تشبهني كثيراً وتتناغم مع داخلي؟

لقد بدأت رحلة تشافي خسرت فيها علاقات وصداقات ووظيفة ولكني ربحت الحياة التي كنت أرغب، أي نعم أن المنغصات ستظل موجودة الى أن نموت ولكن تفسيري لها وتقبلي لها إختلف كثيراً عن ذلك الماضي، اليوم وأنا أنظر لتلك الشخصية السابقة مني وأنظر لما أنا عليه اليوم أشكر كل تلك الظروف والمواقف والمشاعر المؤلمة التي جعلتني أنوي التغيير وأحدد الهدف وأخوض الرحلة رحلة التشافي الذاتي!.

هذه التدوينة هي خلاصة تجربة روحية ومشاعرية خضتها و سأخبركِ فيها إن كان التشافي الذاتي يشكل مرحلة أم هو رحلة مستمرة.. قراءة ممتعة.

متى تبدأ عملية التشافي الذاتي؟

كلنا نعرف عن عملية الألتئام الذاتي التي تقوم بها خلايا الجسم الصحيح في حالة الجروح والإصابات ولكن قليل منا يعرف عن أن هناك حالة تشافي لما يصيب قلوبنا وأرواحنا من جروح ، من رحمة الله في خلقه أن جعل عقولنا تتعمد حمايتنا فتخزن كثير من المواقف في عقلنا اللاواعي فتستمر الحياة رغم الصدمات، ولأن العقل يرغب حمايتنا نتخذ سلوك للرد على تلك الإهانة أو لدرء ذلك الشعور في حينها وعندما يؤتي هذا السلوك ثماره ننتهجه في حياتنا ونكرره فيصبح عادة تمثل شخصيتنا، فلو أنك وجدت الصراخ يعطيك القوة تقوم بتكراره في كل موقف دون تصنيف له حتى يصبح سمة في شخصيتك، في الوقت الذي تنزعج من هذا السلوك وترغب في تغييره تجد كثير من المخاوف تظهر لك وتخبرك أنك ستفقد قوتك وهذا أيضاً من أساليب حماية العقل لك فهو يرى أن هذا السلوك سيحمي الطفل الخائف الذي تعرض لصدمة تجاوزها بالصراخ فنجح في حماية نفسه.

تبدأ عملية التشافي الذاتي من اللحظة التي تعي فيها بأن هذا السلوك يحتاج لتغيير وأن هذا السلوك لن يجلب لك الخير في حاضر حياتك وأن الضريبة التي تدفعها نتيجة هذا السلوك أكبر بكثير من العائد الذي يعوده عليك، ففي مثال الصراخ أنت تدرك الآن أنك كبرت وأصبحت أقوى وقادر على حماية نفسك دون إستخدام الصراخ ولكن مازلت تصرخ في وجه من تظن أنه يهددك!.

شخصيتك عبارة عن عدة سلوكيات تبنى بعضها على بعض، ولتغيير سلوك معين عليك المحاولة مراراً وتكراراً فما أعتدت على فعله لسنوات سيأخذ وقتاً ليتغير فلا تكن عجولاً وكلما كنت صادقاً في طلب التغيير ستجد تسهيلات كثيرة في عملية التشافي ولكل شيء ضريبته الخاصة.

لم أكن لإدرك في يوم ما أن الشخصية العصبية المتوترة ماهي إلا سلوك حماية لطفل تعرض للنقد والإستهزاء به والا لم أكن لابدأ رحلتي في التشافي، رحلتي بدأت عندما أدركت أني سأدمر أطفالي بتلك العصبية :(. الحمدلله على ما أنا عليه الآن وإن كنت ما أزال أسير في الطريق.

معينات التشافي الذاتي:

هناك خطوات بسيطة ولكنها عميقة التأثير عندما تقوم بها بشكل يومي والتزام وهذه الخطوات هي معينات ومسرعات لعملية التشافي الذاتي وهي تتمثل في ثلاث خطوات فعالة الإمتنان، نقطة التركيز، الحديث الداخلي وساأتناولها ببعض التفصيل.

الإمتنان: بإعتقادي أن الحديث عن الإمتنان وتأثيره ونتائجه يحتاج لمجلد كبير فالإمتنان أعظم فعل تمارسه في يومك وهو يندرج تحت ذكر الله ونعمه وشكره عليها ومن المعروف والمتداول بل من المسلمات في كل الأديان والثقافات أن الشكر يتبعه الزيادة من كل خير، في هذا الموضوع تحدثت بإسهاب عن الامتنان، إن ذكر النعم يساعدك في التركيز عليها ومعرفة حجم الخير في حياتك وهذا من المعينات في تشافيك.

نقطة تركيزك: قل لي على ماذا تركز أقل لك على ماذا تحصل وبماذا ستشعر وأين ستكون!، يركز معظم الناس على ماينقصهم لذلك هم دائماً مايشعرون بالحاجة والآلم والنقص. هنا تحدثت عن لعبة التركيز وكيف تتقنيها؟ عندما تركز على كل جميل في حياتك وعلى كل تطور ولو بسيط فهذا من المعينات المؤثرة في سرعة تشافيك.

الحديث الداخلي: ماهو حديثك الداخلي؟ ماذا تقول لنفسك؟ ماالكلمات التي ترددها في داخلك لنفسك وعن نفسك؟بماذا تصف نفسك؟، يلعب حديثك الداخلي دور مهم في تشكيل مفهومك عن نفسك لذلك أول معين للتشافي الذاتي هو إدراكك لحجم سلبية كلامك الداخلي ووصف نفسك، بادر في تغيير حديثك عن نفسك دون مبالغة ولكن بالحق فاانت إنسان يصيب ويخطئ فلا داعي لكثرة اللوم والتآنيب وترديد أوصاف قاسية عن نفسك.

راقب نفسك دون إنتقاد أو تآنيب وأنظر لها بعين الرحمة فهي الباقية معك في كل لحظة، أسعى للتحسين دون إستعجال وأفرح بإنجازاتك الصغيرة قبل الكبيرة وستلاحظ فرقاً كبيراً في تطورك ونموك العاطفي والروحي.

التشافي الذاتي هل هو مرحلة أم رحلة؟

ما دمنا على قيد الحياة فنحن كل يوم نختبر موقفاً جديداً ونستقبل حدثاً أو نلتقي بشخصٍ ماأو نخوض تجربة خاصة وفي كل هذه الأوضاع نشعر بمشاعر مختلفة ونفكر بأفكار متآرجحة بين إيجابي وسلبي، نسير في خط متعرج من قمة لقاع ومن قاع لقمة في نفس اللحظة كتخطيط القلب، هذا التغير في حياتنا يجعلنا لا نتوقف ففي كل موقف نختبر شعور مختلف والشعور المزعج يجعلنا نرغب في معرفة سببه ونود التخفيف منه فنجد خلف هذا الشعور ذكرى مزعجة أو صدمة طفولة أو جرح مازال ينزف فنبدأ بتطبيب أنفسنا وتجاوز ذلك بكل ما آوتينا من قوة.

إن التشافي رحلة مقسمة على عدة مراحل كمراحل حياتنا بالضبط، يبدأ التشافي عندما تشعر أنك بحاجة له وأن هذا السلوك لايمثلك وهذه الفكرة لاتخدمك وأن هذا الشعور لايستحق منك إعارته الإنتباه.

التشافي رحلة مستمرة تبدأها عندما تعي أنك قادر على تغيير حياتك وتؤمن بذلك.

التشافي يبدأ عندما تؤمن أن الله خير معين وأن التشافي عبارة عن سعي له نتيجة وجزاء.

((إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ))[الرعد:11]

أخيراً: رحلة التشافي فيها آلم ولكنه آلم تنظيف الجرح وتغطيته آلم تعلم أنه سيزول وأن بعد زواله سيتغير شيء في داخلك ينقلك للأفضل لذلك لاتكن عجولاً وتحمل ذلك الآلم وصدقني هذا الآلم أهون بكثير من آلم أن تضل على حال لايعجبك تحت شعار واهم يقول(أنا خُلقت هكذا وهذه هي شخصيتي هذا هوأنا) لأن الحقيقة تقول أن كل شيء قابل للتطور والنمو والتغيير، أن كل سلوك لايعجبك هو ليس أنت.

كوني بخير:)

رأيان حول “هل التشافي الذاتي رحلة أم مرحلة؟”

  1. يااالله

    كلامك لامسني .
    شكرا على هذا المقال الجميل والمليء بالفائدة

    أدام الله قلمك وأعانك على إيصال رسالتك بكل يُسر ومحبة ♡

    Liked by 1 person

اترك تعليقًا

Please log in using one of these methods to post your comment:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s