في هذه الفترة من السنة يتم التقديم على الجامعات وإنتظار النتائج من خريجي الثانوية، لذلك فهي أنسب فترة لنشر هذه التدوينة، لن أتحدث معك صديقتي خريجة الثانوية كمرشدة أو كمعلمة أو حتى كمدونة تكتب تدوينة تناسب ماهو شائع من مواضيع في هذا الوقت، ساأتحدث إليكِ كاأم فاأبنتي من خريجي الثانوية هذا العام والكلام الذي تحدثته مع أبنتي سأكتبه لكِ هنا لعله يكون أصبع نور لكِ يضيء القادم من أيامك.

الخطة الألهية:
هل أخترتي أن تكوني على الأرض في هذا الزمان ومع هذه العائلة وفي هذه المدينة؟؟
طبعا أنتِ لم تقومي بهذا الخيار وكثيرة هي الأمور في حياتنا لم نقم بإختيارها ولعل من ضمنها السلم التعليمي والنظام التعليمي والمعيشي في البلد الذي نسكنه وإن كانت هذه الأمور من عمل البشر إلا أن وجودك فيها وإتباعك لها دليل على أن هناك كثير من الأمور لم نختار تسلسلها ولا المضي فيها.
إن وجودك الآن في هذا الزمان و هذا الجيل وهذه التجربة لم يكن من إختيارك ولكن ماتنوين فعله وماترغبين الحصول عليه هو من ضمن إختيارك، ماذا يعني عدم قبول الجامعة لك؟ أياً كانت الأسباب من نسبة غير مقبولة أو عدم توفر مقاعد كافية فعدم القبول لايعني نهاية الحياة وقلة الخيارات وكذلك لايعني أن لافرص قادمة.
نحن نسير ضمن خطة إلاهية محكمة التخطيط فما أصابك لم يكن ليخطئك وماأخطأك لم يكن ليصيبك في الأصل.
كم من فتاة حولك لم تُقبل في الجامعة ونجحت في حياتها عن طريق فتح مشروعها الخاص أو تعلم مهارة أو حتى قررت الزواج والتفرغ لبيتها ونفسها وكم فتاة من حولك درست في الجامعة وتخرجت وجلست عاطلة تنتظر الوظيفة والزواج وكم من فتاة تخرجت وتوظفت وبعد سنين إستقالت وغيرت عملها وتخصصها الجامعي وكم من فتاة تخصصت ولم تعمل بتخصصها وكم من فتاة درست الجامعة بعمر كبير وبعد محاولات عديدة.
إن لكل منا خطة خاصة به وحده تناسبه هو ولا تناسب غيره رسمها خالقنا لأنه يعرف الأفضل لنا والأنسب لنا، إذا منع الله عنكِ أمراً ترغبينه فلأنه يعلم أنه شرٌ لكِ.
أعرف حجم الغضب والحزن وليس في هذا عيب أعطي نفسك فرصتها بالبكاء والحزن والغضب ولكن لا تطيلي البقاء في هذه المشاعر وأكملي الطريق الذي خُلقتِ له.
إن كان هذا التسلسل التعليمي والمجتمعي هو شيء لم تختاريه فحتماً أنتِ تستطيعين إختيار تسلسل خاص بكِ وحدك وطريق ترغبين السير فيه فالبديل دائماً موجود والحياة واسعة الخيارات فلا تكون نظرتك لها ضيقة.

لدي قريبة عاشقة للعلم والتعليم وعندما تخرجت من الجامعة بتفوق كانت ترغب في إكمال دراستها للماجستير والدكتوراة ولم تكن تفكر بالزواج قط و العجيب أنه تقدم لخطبتها شاب ووافقت على الفور ولم تبذل أي جهد بعد الزواج لإكمال دراستها و تحقيق حلمها وفي كل مرة أذكرها بطموحها تقول لي ليس الآن في المستقبل لقد أكتشفت أني بحاجة للراحة من التعلم والتعليم والعجيب أنها لاتفكر ابداً في الوظيفة رغم أن تخصصها مطلوب ووظيفتها مضمونة.
واذكر أحدى صديقاتي تحكي لي قصة أبنة عمتها طبيبة أسنان بعد التخرج رفضت الوظيفة و بشهادتها واسمها أفتتح أخيها عيادة أسنان يعمل هو على إدارتها وهي في المنزل تأخذ راتب شهري من أرباح العيادة دون بذل أي جهد تبذله وكثيرا ماتقول لهم أنها درست التخصص الذي لاترغبه.
القصص التي أعرفها وسمعتها كثيرة وبعضها عجيب وهذا دليل أن حياتنا ليست خط مستقيم نسير فيه ونحصل على كل المراحل بنفس السن والظروف بل بالعكس تختلف قصصنا ويختلف مسير حياتنا وهذا كله بتنظيم وتدبير إلاهي مبهر حتى نكون مع بعضنا ولبعضنا سندا في إعمار هذه الأرض فكلن منا خُلق لهدف وغاية لايعلمها إلا الله الذي يسيرك فيها لإتمامها.
قال تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى} [النجم:39 – 41].
إن واجبك السعي والسعي يبدأ بنية طيبة لنفع هذه الأرض و إرضاء خالقها.
الخيارات الواسعة:
لم تقبلك الجامعة يعني أن باب أُغلق وباب أخر بإنتظار الفتح فما هو الباب الذي ترغبين بطرقه؟
الخيارات واسعة ياصديقتي ونحن في زمن يسهل الوصول لكل الخيارات بتوفيق من الله فبإمكانك البحث عن عمل وتطوير مهاراتك الإجتماعية، إكتساب خبرات مختلفة، كذلك يمكنك الدراسة عن بعد أو ممارسة الأعمال الحرة عن بعد أو العمل بمهارة تتقنينها كالطبخ والخياطة.
إبنة جارتي تخرجت من الجامعة وجلست سنتين عاطلة ومن ثم قررت أن تستفيد من مجلس الضيوف المهجور في بيت والدها فااعلنت لفتح حضانة بعدد محدود لموظفات الحي وهي جدا مستمتعة وسمعتها كالذهب في المجال والأمهات وأطفالهن يحبونها.
لابأس بسنة راحة:
ماذا لو شعرتي بالتشتت والحيرة من إتخاذ قرار بديل لابأس ببعض الراحة ياصديقتي فسنة أو كم شهر للراحة لن يضرك فلنفسك حق أعتبريها فرصة للإسترخاء وتصفية ذهنك والبعد عن التوتر والإستعجال في إتخاذ القرار.

أنتِ حرة ومسؤولة عن نفسك:
أنتِ الآن في سن يؤهلك لتحمل مسؤولية خياراتك مهما تحدث من حولك ومهما ظهرت من إقتراحات فالموضوع بخياراته بين يديك حتى ولو قبلتك الجامعة فمن حقك تغيير رأيك ورسم طريق أخر فحياتك مسؤوليتك وخياراتك مسؤوليتك ونتائجها أنت من يتحملها وتذكري أن من يحبك أو يكرهك لن يشعر بما تشعرين به لذلك أنتِ حرة وأنتِ من يقرر، تذكري أن الحياة قمم وقيعان فهي ليست وردية وزاهية تماما وليست معاناة ورمادية دائماً ففي كل مرحلة متاعب و صعوبات وكذلك أفراح وهدايا وذكريات جميلة لذلك أنتِ مسؤولة دائماً عن ردة فعلك فلاتكثري التأنيب على مامضى ولا اللوم والتقريع لنفسك ولا تطيلي التفكير دون سعي وعمل.
دائماً لكِ الخيار إما أن تتقدمي وتتطوري وتفرحي بأبسط إنجازاتك وإما أن تتأخري وتعيشي دراما الضحايا وحياة المكتئبين و الكسالى.
أخيراً
كل ماقلته في هذه التدوينة كان نتاج لحديثي مع إبنتي ونصحي لها وكما أنوي لأبنتي حياة طيبة ومليئة بالنجاح والسعادة وراحة البال والخيارات الموفقة أنويها لكِ صديقتي القارئة وأتمنى أن أكون ساعدتك ولو بالقليل أكتبي لي في التعليقات وشاركيني خططك للمرحلة المقبلة.
كل التوفيق لكِ.
كوني بخير:)