قصة قصيرة:
جدتي هل تسمحين لي بسؤال تجيبين عنه بصراحة؟
بعد مدة قصيرة من الصمت، رفعت رأسها وأخذت تحدق بي!
ماهو سؤالك؟
هل أنتِ راضية عن حياتك وأختياراتك فيها؟
بعد تنهيدة عميقة وعينان تلمعان من دموع تآبى النزول أجابتني:
وهل أخترت حياتي؟ الحمدلله على كل حال، نحن في جيل غير جيلكم نحن لم نجرب أن نختار وكيف لنا أن نرضى عن خيار وحياة لم نختارها يوماً ولكن ماذا أقول هذا قدري وهذه حياتي وأدعو بحسن خاتمتها، لقد تزوجت من رجل لم أختاره وعشت في وطن لم أختاره ومع ذلك أظن أن عليَ أن أرضى فسخطي لن يغير شيئاً.
جدتي لم تكن راضية ولكنها أقنعت نفسها بضرورة أن تُظهر الرضا ولو تمثيلاً فقد كان حديثها ساخطاً في معظم الوقت تنهيه بعبارات عن الرضا وتردد الحمد خوفاً من أن تُغضب الله، حال جدتي هو حال معظم النساء في جيلها والجيل الذي بعدها وكذلك جيلنا.
دائماً مانردد في أفواهنا ضرورة الرضا وكم نشعر به وعند أول مجلس للشكاوى نُظهر سخطنا من حالنا وبيئتنا وخياراتنا، دائما مانظن أن هناك حياة أفضل لم نحظى بها، دائماً مانعتقد بأن هناك واقع يستحقنا ونستحقه ولكنا حُرمنا منه، ننسى نوايانا وننسى مابين أيدينا من نعم ونقف عند ذلك الفقد نتجرع الآلم ونستسيغه ونكرر صيغ الحرمان ونظن أننا صابرون راضون.
يجري بأعتقادنا أن كل من هم حولنا يعيشون حالاً أفضل من حالنا وأن الكل عندما يضحكون هم سعداء حقاً، أما نحن فضحكتنا مزيفة ولدينا قدرة كبيرة على الخداع خداع من حولنا وخداع أنفسنا في المقام الأول.
هل أنتِ راضية عن حياتك تمام الرضا؟ أجيبي بصدق.

ماهو مفهوم الرضا وكيف نصل إليه؟
الرِّضا لغةً: ضد السُّخط، والرضا بالشيء الركون إليه وعدم النفرة منه.
الرضا مرتبة عالية من حُسن تزكية النفس وتطهيرها، وبالمعنى البسيط الرضا هو الشعور بالقبول مع تحمل الآلم والسعي لتحسين الحال دون سخط أو يأس، فالمريض يرضى بمرارة الدواء رغبة في زوال الآلم، ومن يرضى عن عطاء الله وقسمته يرغب في رضى الله والحصول على جنته.
إن مايرهق الناس هو ظنهم بأنهم راضون بما قسمه الله لهم بينما هم يعيشون الأماني دون عمل، يعيشون بمقارنات بينهم وبين الآخرين، يشعرون بعدم الإكتفاء والرغبة بالمزيد دون سعي منهم، يعقدون آمالهم على النتيجة وينسون الإحسان في الطريق، يرفضون خطة الله لهم ويعتقدون أنهم الأعلم بالأنفع لهم وهم اصلاً لايملكون القدرة على تغيير ماكتبه الله عليهم فينجرفون لليآس والسخط والشكوى وهذا من جهلهم وظلمهم لأنفسهم.
يقول الله تعالى في سورة الزخرف ((أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)) (32).
كيف أكون راضية؟ لقد سألت نفسي هذا السؤال مراراً وتكراراً خصوصاً عندما أكون في أسوء حالاتي هل أنا راضية بما كتبه الله لي، وفي كل مرة أجد الأجابة الصادقة تقول لا !! فلو كنت راضية مابكيت ندماً وحسرة على مامضى و آنبت نفسي بقسوة على مافاتها، لو كنت راضية حق الرضا ما تعلقت بشدة و حرص بشيء قادم لا أعلم إن كان خيراً لي أم فيه من الشر الكثير، لو كنت راضية لسرت بالطريق وأنا أشعر بالهدوء وعدم اللهفة وماهو لي فلن يأخذه غيري وما ليس لي لن أناله بقوتي، أنا لست راضية عن حياتي ومن هنا بدأت أبحث وأتفكر هل حياتي وواقعي من صنعي أم أنه قدر علي تقبله دون مقاومة؟؟

ظللت لفترة أتفكر في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام((إن عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإن الله -تعالى- إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رَضِيَ فله الرِضا، ومن سَخِطَ فله السُّخْطُ”.
قال الله تعالى
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [ الأنبياء: 35]
في الدنيا يكون إختبارنا وبلائنا في الخير والشر لذلك الأيمان الحق يكون في أمور غيبية غير مدركة هو تمام الأيمان فاانتِ تتخذين القرار وتسلكين الطريق لهدفك دون علم منك بما ينتظرك في المستقبل، لا تعلمين إن كنتِ ستبلغين أم أنك ستنحرفين عن مسارك، إن كان لكِ حق الأختيار فحتماً ليس لك معرفة بغيب ما أخترتي، بخفايا الأمور وتلك الأحداث التي لم تشهديها مهما بلغ بك الحرص فالصورة ليست كاملة أمامك أنتِ لاتعلمين كم الصخور التي أزالها الله من طريقك ولا عن آولئك الأشخاص الذين حاكوا لكِ حبائل الشر ولا عن ذلك الخير الذي ينتظرك أنتِ لاتعلمين عن نوايا الشخص الذي تحبينه و تظني أن الحياة لا تكتمل إلا به، أنتِ لاتعلمين شيئاً مهما بلغ فيك الظن بالمعرفة.
من رضي فله الرضا هذه هي قصتك التي كُتبت فصولها وعشتيها بتلك التفاصيل، هذا الماضي الذي تذكرين الآمه وتندبين الحظ الذي كان فيه عشتي فيه لحظات جميلة وأيام سعيدة ولكن تركيزك على السخط جعل السخط لكِ.
من رضي فله الرضا تلك الحادثة المزعجة التي أرتكبتي فيها خطاءك الذي ترفضين أن تغفريه لنفسك كان حدثاً مرتباً لخير تعيشينه الآن ولكنه السخط الذي أردتي أن يكون لكِ.
جدتي رحمها الله لم تكن ترى آولئك الأبناء الرائعين الذين أنجبتهم لم ترى سباقهم لرضاها، لم ترى تطور حياتها والخير الذي عاشت به ظلت في كل مرة تنظر للماضي على أنه سبب إرتباطها برجل لم تحبه يوما ولم تّكِن في قلبها له أي أحترام وكل ذلك سخطاً على نصيب كُتب لها.
لقد عشت أيام من الإكتئاب والحزن حتى ظننت أنه حُكم علي بالتعاسة وكان كل مافي الآمر أني لست براضية فدائماً ماكنت أرى أن هناك شيء لم أبلغه وشيء أفضل مما أنا فيه وكان السخط لي لأنني أخترته.
عن أبي العباس عبدالله بن عباسٍ رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: ((يا غلام، إني أعلمك كلماتٍ: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعـوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفَّت الصحف))؛ رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيحٌ.
قال تعالى ((الشيطان يعدكم الفقر )) .. الفقر لايكون فقط بالمال وإنما الفقر في كل نعمة جحدتيها أو نسيتيها وسخطتي لأنك حُرمتيها أو أنه تم منحها لكِ.
الإمتنان طريق الرضا:
إن علاج كل مشاكلنا يبدأ وينتهي بالإمتنان والشكر، فعقولنا تعمل على ماتركزين عليه وممارسة الإمتنان يعني التركيز وعدَّ النعم ومن كانت عيناها على ماأنعم الله به عليها كيف ستكون حياتها؟.
في كل مرة أكتب عن الإمتنان أجد أني لم أوفيه حقه فحقيقة عليكِ تصديقها والعمل بها وهي أن الشيطان يدخل من النعم فيصغرها في عينك ويقلل من قيمتها حتى تزدريها وتسخطي من وجودها فيكون لكِ السخط، إن الإمتنان والتدرب عليه يريك كم النعم التي لايمكن لكِ تصور حياتك بدونها ويكبرها في عينيك وفيها عبادة لله بشكره فيزيدها وتدوم بإذنه، أنتِ تملكين الخيار.
كل شيء يأتي مع الوقت فلو كنتِ تشعرين الآن بالتعاسة وعدم الرضا على حياتك فاأبداي من اليوم بالتدرب على الإمتنان والحرص على تطبيقه يومياً ماأكثر التمارين الموجودة في عالم إلانترنت وهنا في المدونة تكلمت عنها وكلمة حق أقولها لكِ لقد غير الإمتنان حياتي صحيح ككل البشر أمر في حالات من الحزن والغضب ولوم الماضي وتعلق بالمستقبل ولكن سرعان ما أُذكر نفسي بما عندي من نعم و أتحمس على السعي برضا وقبول لما ساأناله في حياتي، لاتنسي أن حربنا مع الشيطان قائمة لآخر يوم في حياتنا لذلك قال تعالى((( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله )))، أستعيذي من الشيطان ومارسي الإمتنان بالطريقة التي تناسبك وتذكري أن من رضي فله الرضا.
الرضا لا يعني التوقف عن السعي للأفضل:
قد تكون أحد خيارات الماضي أثرت وبشكل كبير على واقعنا اليوم ولكن لا بأس فهناك دائماً مساحة للبدء من جديد فكل شيء قابل للتعديل وللتغيير أو حتى التخلي، إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما باأنفسهم، إبداي من عندك من الداخل تحملي مسؤولية حياتك وأنوي تغييرها للأفضل وسيساعدك الله لما فيه خير لكِ وتذكري أن خطة الله خير من خطتك.
أن نتمتع بالرضا عما مضى لايعني أن نتوقف عن السعي للأفضل ولكن رضانا يعني أننا نتقبل ما نحن عليه ونتقبل قسمة الله لنا لعلمنا أنها خير و أفضل وأن هذه التفاصيل المؤلمة والخسائر الموجعة فيها خير عظيم وأن ماعند الله خير و أبقى، إن سخطكِ على مالاتملكين تغييره لا يجلب لكِ إلا الخيبة والوجع والمرض.
أخيراً: هذا الموضوع عميق وواسع وفيه تفصيل أكبر لن تكفيه تدوينة أخرى ولكن كل ما أود أن أوصله لكِ صديقتي الغالية هو أن أكثر مايستهلك أرواحنا هو مقاومة مالا نملك تغييره إستجابة لوسوسة شيطانية هدفها أن تخرجك من جنة الله في أرضه والتي يسكنها الراضون المتقين الذين لا سلطان عليهم ولا خوف ولاهم يحزنون.
ستظل إختباراتنا قائمة بالخير والشر وسنظل نختبر كل المشاعرهبوطاً وصعوداً الى أخر يوم في عمرنا وعندنا دائماً الخيار هل نرضى فيكون لنا الرضا أم نسخط ويكون لنا السخط.
كوني بخير:)